فلم يزل يقرّعهم صلى الله عليه وسلم أشدّ التقريع، ويوبّخهم غاية التوبيخ، ويسفّه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، ويشتّت نظامهم، ويذمّ آلهتهم وإياهم، ويستبيح أرضهم وديارهم وأموالهم، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته، يخادعون أنفسهم بالتشغيب بالتكذيب، والإغراء بالافتراء، والادّعاء مع العجز بقولهم:{لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} وقد قال لهم الله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} فما فعلوا ولا قدروا ... "
هذا هو الوجه الأوّل من وجوه الإعجاز القرآنيّ كما يراه القاضي عياض.
وعن الوجه الثاني: وهو صورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، يقول القاضي عياض: "إنه لم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم، وتدلَّهت دُونَه أحلامهم، ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم؛ من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر.
لما سمع كلامه - صلى الله عليه وسلم - الوليد بن المغيرة وقرأ عليه القرآن رقّ، فجاءه أبو جهل منكرا عليه، قال: والله ما منكم أحد أعلم بالأشعار مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا.