وأما الوجه الرابع من وجوه إعجاز القرآن: فهو يتصل كسابقه بالجانب التاريخي، ولكنه لا يتناول الأمور المستقبلة، ولكنه يتحدّث عن أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع الدائرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذّ من أحبار أهل الكتاب على نصِّه فيعترف العالم بذلك؛ فيورده النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجهه، ويأتي به على نصه، فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه وأن مثله لم ينله بتعليم، وقد علموا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمّي لا يقرأ ولا يكتب ولا اشتغل بمدارسة ولا مثافنة [١٣] ، ولم يغب عنهم ولا جهل حاله أحد منهم ".
ويدلّل القاضي عياض على دقة هذا الوجه فيقول: "وقد كان أهل الكتاب كثيراً ما يسألونه - صلى الله عليه وسلم - عن هذا فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر، ويوسف وإخوته، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ولقمان وابنه، وأشباه ذلك من الأنباء، وبدء الخلق، وما في التوراة والإنجيل والزّبور وصحف إبراهيم وموسى مما صدّقه فيه العلماء بها، ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها، بل أذعنوا لذلك ...