للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن مُوفَّق آمَن بما سيق له من خبر، ومن شقي مُعاند حاسد، ومع هذا لم يحك عن واحد من النصارى واليهود على شدّة عداوتهم له، وحرصهم على تكذيبه، وطول احتجاجه عليهم بما في كتبهم وتقريعهم بما انطوت عليهم مصاحفهم، وكثرة سؤالهم له صلى الله عليه وسلم، وتعنيتهم إياه عن أخبار أنبيائهم وأسرار علومهم، ومستودعات سيرهم، وإعلامه لهم بمكتوم شرائعهم ومُضمَّنات كتبهم، مثل سؤالهم عن الروح، وذي القرنين، وأصحاب الكهف، وعيسى، وحكم الرّجم، وما حرم إسرائيل على نفسه، وما حرِّم عليهم من الأنعام، ومن طيبات كانت أحلّت لهم فحرِّمت عليهم ببغيهم، وقوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ..} وغير ذلك من أمورهم التي نزل فيها القرآن، فأجابهم وعرّفهم بما أوحي إليه من ذلك؛ أنه أنكر ذلك أو كذّبه، بل أكثرهم صرّح بصحة نبوّته وصدق مقالته، واعترف بعناده وحسده إياه، كأهل نجران وابن صوريا وبني أخطب وغيرهم.

هذه هي الوجوه التي اعتمدها القاضي عياض دليلا على إعجاز القرآن، وخصّص لها في كتابه (الشفا) بابا من أربعة فصول.

فإذا نظرنا إلى ما كتبه القاضي وجدنا أن هذه الأوجه ليست جديدة على أذهاننا، أو بمعنى آخر: وجدنا أنه ليس أوّل من أشار إليها، إن هذه الوجوه ليست من كدّ فكره، ولا من إعمال عقله، ولكنها من جمعه وتحصيله، ونقله وتدوينه.

فالقاضي عياض - شأنه شأن علماء عصره - جال جولات واسعة بين ثنايا مؤلفات السابقين وانتقى منها واختصر لبعضها؛ كي يجمع مادة علمية لهذا الباب الذي خصّصه للإعجاز؛ لذلك نستطيع أن نقول بوضوح إنه لم يأت بجديد في بحثه.