فإذا ما درسنا أوجه الإعجاز الأربعة التي اختارها القاضي عياض وأمعنا النظر فيها وجدنا أنّ الوجه الأول في حقيقة أمره ليس من وجوه الإعجاز، وإنما هو في وضعه الدقيق شاهد من شواهد الإعجاز، ودليل من أدلّته القاطعة.
أما الوجه الثاني: الذي يتعلّق بنظم القرآن وأسلوبه فهو ما توافَق عليه جلّ الباحثين والعلماء الذين بحثوا في إعجاز القرآن وحاولوا الكشف عن أسراره؛ لقد أجمعوا على أنّ هذا الأسلوب الذي انفرد به القرآن مخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها.. وأن نظمه جاء على صورة لم تقع للعرب، وإن جمعت الطيِّب الحسن من كل أسلوب.
وأما الوجه الثالث الذي اختاره القاضي عياض - وهو (الإخبار بالمغيبات) - فهو في حقيقته أمره ليس وجها من وجوه الإعجاز يمكن أن نقطع الخصم عن المعارضة ونمسك به عن العناد واللجاج؛ "إذ كثير من الكهّان كانوا يرجمون بالغيب؛ فيصيبون ويخطئون، ولو كان القرآن حين تحدّى العرب قد أشار إلى هذا الوجه من التحدّي كما أقرّوا بالعجز عنه، ولما شهدت عليهم الحياة به، بل لكان لهم على هذا الوجه سبيل إلى المجادلة والمحاجّة والمعارضة، ولاستدعوا إليهم كهنتهم وأصحاب الرؤى عندهم، ولكان لهم قول إلى جانب هذا القول الذي جاء به القرآن.. وإن بعُد ما بين القولين في مقام الصِّدق واليقين، ولكن الخصم العنيد المتجبّر لا يستسلم حتى يرمي بآخر شيء في يده، ولو كان عودا من الحطب يقاوم به السيوف والرماح"[٢١] .
وأما الوجه الرابع - (ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة..) - فهو كسابقه؛ لا يمكن أن يكون معجزة قائمة للتحدّي القاطع المفحم.. وإن كان هو وسابقه ممّا يضفي على إعجاز القرآن جلالاً وروعة، ومما يزيده إشراقا وألفا.