أغلقت المذياع, وقلت لنفسي: يا حسرة على المسلمين, إن هذه الآيات التي تفتت الأكباد وتدر الدمع منهمرا لم يبق لها من أثر لديهم إلا التطريب والتنغيم, تأملت قليلا فعلمت أن الذي سنّ هذه الحفلات في العالم الإسلامي ابتداء إنما هم الذين سموا أنفسهم (بالفاطميين) , وما هم إلا العبيديون, وينسبون إلى خليفتهم الأول (عبيد الله بن ميمون القداح) .
ومن أعجب الظواهر التي برزت في عصرنا الحاضر محاولة التهوين من الجرائم الكبرى, وإن شئت فقل: محاولة العطف على الجريمة, فمن ذلك المطالبة المستمرة بإلغاء عقوبة القتل, حتى عن القتلة الذين أزهقوا عشرات الأنفس البريئة, ووصلت الدناءة عندهم إلى عدم اعتبار اللواط جريمة, والعياذ بالله.
وإن دلت هذه الظاهرة على شيء إنما تدل على سريان الانحراف, وفشو المرض في القلوب, وقديما قيل: "النقص يهوى النقص".
فمن هذا القبيل ما صدر عن الدولة العبيدية بوجه عام, وعن خليفتها السادس الحاكم بأمر الله, وبوجه أخص من هدم وتمرد على الله, لقد أصدر هذا الحاكم أوامره بتحويل الليل إلى نهار, والنهار إلى ليل, فأمر بقفل الحوانيت نهارا وفتحها ليلا, ومما روي في هذا الصدد أنه مر على صانع يعمل في حانوته نهارا, فلما سأله عن سبب مخالفته الأمر أجاب الصانع: "أنا لست في نوبة عمل الرسمية, وإنما كثرت أشغالي, فأنا في نوبة السهر, والسهر لا يكون إلا نهارا".
كما حرَّم على الناس أكل الزيت والعسل والملوخية, ومن ذلك أتت تسميتها (ملوكية) , ثم قلبت الكاف خاء.
وقد ذهب كتّاب التاريخ في أمر الحاكم مذاهب شتى؛ فقال بعضهم: "إنّ ما صدر عنه مجرد شذوذ", وقال الزميل علي أحمد باكثير: "إنها مجرد عقدة نفسية لا أكثر ولا أقل", وهذه الأحكام ما صدرت في الحقيقة إلا عن جهل مطبق بواقع الرجل, وواقع أسرته.