وساعد طارقا في تلك المرحلة عاملان: أوّلهما أنه من البربر؛ السكان الأصليين لإفريقية والخبيرين بأحوال أسبانيا، وما حفلت به من خيرات وثروات، وثانيهما: أنه ثمرة من ثمار القوة الجديدة للدولة العربية الإسلامية؛ فهو من قبيلة نفزاوة، ومن أسرة اشتهرت بسبقها إلى اعتناق الإسلام؛ إذ أسلم والد طارق أيام عقبة بن نافع الفهري، والتحق هو بعد وفاة والده بخدمة المسلمين، وكان إذ ذاك صغير السن، ولكنه كان يتمتع بقدر كبير من الحماسة والغيرة على الدين الإسلامي، الأمر الذي جعله من أشدّ المقرّبين إلى موسى بن نصير، ومن الطبقة الأولى من رجال البربر الذين اختصّهم بسرّه وثقته المطلقة، وأشركه مشاركة عملية في رفع راية الإسلام، وأثبت طارق بن زياد أنه خير أمين على تنفيذ خطط موسى بن نصير التي بدأ يعدّها لفتح أسبانيا؛ ذلك أن موسى بن نصير - بعد أن فتح طنجة - اتجه إلى مدينة سبتة التي كان يحكمها إذ ذاك رجل من الروم يدعى يوليان، ولكن هذه المدينة استعصت عليه؛ فآثر إرجاء الاستيلاء عليها، وكلّف طارق بن زياد الذي عيّنه على طنجة مهمّة الاتصال بهذا الحاكم وجعل مدينة سبتة نافذة يطلّ منها المسلمون على أسبانيا ودراسة أحوالها، وكشف موسى بن نصير بذلك عن مقدرة سياسية فائقة حين آثر العمل في هذه المرحلة بطريق غير مباشر، وتقديم طارق بن زياد للقيام بالعمل في هذه الجبهة؛ ذلك أن طارقا كان أقدر على الاتصال بالبربر التابعين لحاكم سبتة، وكلهم ممن خبروا أسبانيا وانتقلوا بين أرجائها، ولم تلبث تطورات الأوضاع في سبتة أن هيّأت لطارق بن زياد السير قدما في سبيل تنفيذ خطط موسى بن نصير؛ فقد رأى يوليان حاكم سبتة أن الحكمة تفرض عليه التقرّب من القوة الإسلامية الجديدة التي صارت تجاور أملاكه مباشرة، وأن يقيم معها علاقات ودّية تعوّضه عن الضعف الذي دبّ إلى سلطانه في سبتة، وكان يوليان أصلا عاملا من عمّال دولة الروم، وحكم إقليم مرطانية الطنجية بحكم