كونه قائدا عامّا مفوّضا من قبل الامبراطور، وتولّى يوليان إدارة هذا الإقليم وهو صغير السن، ثم طال به الزمن دون أن تتمكّن دولة الروم من عزله أو استبدال غيره به؛ بسبب انشغالها بالحروب ضد العرب المسلمين الفاتحين في شمال أفريقيا، وأصبح يوليان مطلق التصرف في ولايته، وله صلات ودّية كثيرة مع أهلها من البربر وزعماء القبائل المجاورة له؛ حتى صار خبيرا بتقاليدهم وعاداتهم، وأجاد القيام بها إلى درجة جعلته يبدو كأحد أبناء البلاد الأصليين، لا تابعا لإمبراطورية الروم، ولا يمكن كشف حقيقة لونه السياسي في سهولة ويسر؛ فاختلط على كثير من المؤرخين أمر يوليان حتى ذكر البعض أنه من البربر، على حين قال البعض الآخر إنه من القوط دون أن يفطنوا إلى تبعيّته أصلا لإمبراطورية الروم، ولما انهار سلطان الروم في إفريقية بعد الفتوح العربية أخذ يوليان يعمل على تقوية روابطه بدولة القوط في أسبانيا على نحو ما فعل مع جيرانه من البربر؛ ليدعم مركزه ويحفظ أملاكه، ورحّب ملك القوط إذ ذاك - واسمه غيطشة - بولاء يوليان؛ بسبب أهمية سبتة لحماية دولته؛ فهي تتمتع بمركز جغرافي فريد يجعلها مفتاح أسبانيا والحارس الذي يحميها من هجوم قد يشنّ عليها من الجانب الإفريقي؛ فهي قبالة الجزيرة الخضراء من أرض أسبانيا، وتسيطر على المياه التي بينها وبين تلك الرقعة الأسبانية، هذا وتتمتع أسبانيا بموقع طبيعي يجعلها حصنا منيعا في استطاعته أن يقاوم زمنا طويلا أيّ هجوم مفاجئ قد تتعرض له؛ فيوجد على بعد ميلين منها جبل موسى (نسبة إلى موسى بن نصير) ، كما يحيط ماء البحر بها من ثلاث جهات مما زاد في مناعتها وقوتها، هذا إلى أنه قام على مقربة منها دار لصناعة السفن التي استخدمت في العبور إلى الأندلس.