وتمت المرحلة الأولى بذلك من نزول الحملة الإسلامية في أسبانيا دون مقاومة تذكر، وكان السبب في ذلك هو أن موسى بن نصير اختار وقت قيام حملة طارق وفق أدقّ المعلومات التي وصلته، وكانت المخابرات الإسلامية تتبع حركات لوذريق وتتحيّن الوقت المناسب لبدء الحملة، وسرعان ما سنحت الفرصة حين ذهب لوذريق إلى أقصى شمال أسبانيا ليخمد ثورة قام بها سكان جبال البرانس المعروفة باسم القبائل البسقاوية، وكانت تلك الجموع القبلية مشهورة بالمراس وقوة الشكيمة، مما جعل لوذريق يأخذ معظم جيشه معه، وأصبح جنوب أسبانيا خاليا تماما من أسباب الدفاع عنها، ولذلك لم تشعر سلطات القوط بنزول المسلمين في جنوب البلاد إلا بعد أن استقرّت دعائمهم ومكّنوا لأنفسهم على بحر الزقاق، فعبأت قوات سريعة وأرسلتها على عجل للهجوم على المسلمين تحت قيادة (بنج) المعروف باسم (بنشو) في المراجع الأسبانية، ولكن القوط لقوا هزيمة فادحة لم ينج منهم إلا واحد استطاع الهرب والذهاب إلى معسكر لوذريق في أقصى الشمال، ونقل إليه أنباء تلك الكارثة وهجوم المسلمين على البلاد، وكان لوذريق يقيم في مدينة بنبلونة بأقصى الشمال حيث يدير الحرب ضد القبائل البسقاوية، ولذا صمّم العودة سريعا إلى الجنوب والهجوم على المسلمين قبل أن يتوغّلوا في داخل البلاد، وكان لوذريق من أشهر رجال القوط في ميدان الحروب؛ إذ قدّر تماما الخطر الذي أحاط بدولته بسبب نجاح المسلمين في اتخاذ قاعدة لهم عند جبل طارق، وأدرك أنهم جاءوا للفتح وليس للإغارة من أجل السلب والنهب والحصول على المغانم كما راجت الإشاعات بذلك، ومن ثم عمد إلى جمع صفوف القوط لمواجهة المسلمين؛ فاتصل بأبناء غيطشة وصالحهم ليكونوا جميعا يدا واحدة، ولكن أعمال لوذريق في تلك السبيل جاءت متأخرة؛ لأن بيت غيطشة ظلّ على ولائه سرّا للخطة التي وضعها يوليان، ولم ينس ما حلّ به من أذى واضطهاد وتشريد على يد لوذريق، وفي الوقت نفسه ظلّ أبناء