للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يستقرّ الأمر لموسى في ماردة إلا بعد جهد شاق بذل فيه الكثير من الوعود لأهلها الذين سلموا بعدها في شوال عام ٩٤هـ (يونيو ٧١٣م) .

وبعد أن غادر موسى بن نصير مدينة إشبيلية وبدأ حصار ماردة جمع القوط فلولهم في المدن المجاورة وفاجئوا الحامية الإسلامية في إشبيلية وقتلوا منها ثمانين فردا، وأجبروا الباقين على الخروج من المدينة، وآثر موسى بن نصير الاستمرار في حصار ماردة حتى استولى عليها، ثم بعث بابنه عبد العزيز إلى إشبيلية لطرد القوط منها.

واختار موسى بن نصير بعد ذلك للمدن التي استولى عليها نفرا من خيرة قادته ممن اشتهروا باليقظة والبطولة.

واضطر موسى بن نصير أمام تلك المقاومة العنيفة التي لقيها جيشه إلى أن يريح جنده في مدينة ماردة مدة شهر تقريبا قبل أن يستأنف السير إلى طليطلة لمقابلة طارق، وأدرك موسى بن نصير أن القوط يهدفون إلى الهجوم على المدن التي يستولي عليها؛ من أجل دفع طارق بن زياد إلى مغادرة طليطلة لنجدة موسى بن نصير ثم يستردون مدينة طليطلة في غيبة القوات الإسلامية عنها، ولذا عمد موسى إلى تشتيت خطة القوط بأن يظلّ يقاومهم أطول فترة ممكنة دون أن يطلب إلى طارق مساعدته.

ولكن ما كاد موسى يغادر مدينة ماردة حتى جاءته الأخبار أن لوذريق نفسه - ملك القوط الذي فرّ بعد معركة وادي بكة - بدأ ينظم فلول جيشه ويجمع أتباعه استعدادا للهجوم على المسلمين مرة أخرى، ثم إن لوذريق بعد أن آثر البقاء ساكنا ليضرب ضربته الأخيرة في عنف وشدة، اختار قوات موسى بن نصير لتكون هدفه ليهدم بذلك خطط الفتوح الإسلامية كلها في الأندلس مرة أخرى، واتخذ لوذريق مركز مقاومته في شعاب الهضاب التي تلي وادي آنه إلى الشمال في جبال سيرا دفرانشيا على أبواب قشتالة واستراما دورة في السهل المنبسط الذي يحيط بمدينة سلمنقة.