ثم إن موسى بن نصير عمد إلى تنظيم الأحوال المالية للبلاد حتى يجنبها الاضطرابات ويهيء لها أسباب الاستقرار، وقد طبق على أسبانيا القواعد التي اتبعها المسلمون الفاتحون في شتى الجهات التي استولوا عليها، فالأراضي التي فتحت عنوة قسمت بين الفاتحين بعد أخذ الخمس لبيت المال، أما الجهات التي فتحت صلحا فتركت بيد أصحابها مقابل دفع العشر من نتاجها، ولا شكّ أن هذا التنظيم المالي لم يكن عملا هيّنا بالنسبة لموسى بن نصير، وبخاصة في تلك الجهات من غرب أوربا التي لم تعرف منذ زمن بعيد لونا من ألوان الإدارة العادلة؛ فالمعروف أن القوط كانوا يستبيحون لأنفسهم ثروات البلاد ويعتبرون السكان أقنانا يعملون في الأرض، ولا همَّ لهم إلا إنتاج ما يحتاج إليه سادتهم من القوط، ولذا جاءت تنظيمات موسى بن نصير في أسبانيا وسيلة جيدة لخلق الامتزاج السليم بين الفاتحين وأهل البلاد الأصليين؛ فالأراضي المنبسطة في الجنوب - أي جنوب الوادي الكبير - اعتبرها موسى ابن نصير أرضا مفتوحة عنوة؛ فقد تم الاستيلاء عليها بعد معارك عنيفة ضد لوذريق، وقسم موسى أربعة أخماس هذه الأراضي إلى قطاعات بين الفاتحين، على حين بقي الخمس ملكا للدولة، أما بقية أرض الأندلس فقد اعتبرت أرض صلح وهي الأراضي الواقعة شمال نهر الوادي الكبير من شبه جزيرة ايبريا، فأخذ كل ناحية لأنفسهم عهدا، وهذا العهد يقرر ما عليهم من مال للدولة، وبذلك سار الاستقرار في بلاد أسبانيا سريعا حيث سار موسى بن نصير، وبدأ العرب والبربر ينتشرون في شتى الجهات في طمأنينة وسلام، واستقر العرب دائما في المناطق المنبسطة والمنخفضات، أي في النواحي الدافئة قليلة المطر في الجنوب والشرق والغرب وفي ناحية سرقسطة، أما البربر فاختاروا المناطق الجبلية التي سبق أن ألفوا مثلها في وطنهم ببلاد المغرب، بينما نزل العرب في المناطق الواطئة بجنوب أسبانيا مثل شذونه واستجة، فضَّل البربر منطقة رنده الجبلية