واختاروها سكنا لهم، ونزل بعض البربر في مناطق متفرّقة كذلك أو في بعض الهضاب حسبما راق لهم ذلك، واستطاع كل من العرب والبربر الامتزاج بأهالي البلاد الأصليين وارتبطوا معهم برباط الزواج، وكان للبربر خاصة أثر عظيم جدّا في انتشار الإسلام في الأندلس بسبب قرب مزاجهم وطباعهم من أولئك السكان، هذا إلى أن البربر بسبب حداثة عهدهم بالإسلام كانوا شديدي الحماسة للدين الجديد لأنه صار رمز سيادتهم وعزّهم، وحرص موسى بن نصير على ترك حاميات من جيشه في المدن التي فتحها، وهذا هو الأمر الذي جعل معظم أرجاء أسبانيا تعمر بالفاتحين الجدد وتمهد أسبانيا في سرعة ويسر لاعتناق الدين الإسلامي الحنيف.
واستطاعت الإدارة الإسلامية التي شيّدها موسى بن نصير أن تضع الحجر الأساسي لبناء الحضارة الإسلامية في أسبانيا، وجعلت من تلك البلاد أعظم مركز للإشعاع الحضاري في أوربا في العصور الوسطي، ومن ثم أخذت أسبانيا تخطو سريعا في مضمار الازدهار العلمي وتدخل سجل التاريخ باعتبارها الشريان الذي نقل إلى أوربا ثمار الحضارة الإسلامية ومعارفهم، وهيّأ لسكان غرب أوربا السبيل للخروج من جهالة العصور الوسطي إلى نور الإسلام وضوء الحضارة الإسلامية الساطع.
وقد استغرق الفتح الإسلامي لأسبانيا ثلاث سنوات وبضعة شهور؛ إذ بدأ الفتح الإسلامي لأسبانيا في رجب عام ٩٢هـ وتم في ذي القعدة عام ٩٥هـ.
ويلاحظ أن العرب أطلقوا اسم الأندلس على المناطق التي كانوا يسيطرون عليها من شبه جزيرة أيبريا، ولا زال اسم الأندلس يطلق على الجزء الجنوبي منها.