وقال آخر: مسكين! ألم يقرأ في كتاب الله غير هذا الويل الموجه إلى الهمزة اللّمزة؟!.. ولم يعلم أن ثمة ويلات كثيرة لكثيرين من العاصين، وبينهم المصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون، والقاسية قلوبهم من ذكر الله، والظالمون والأفّاكون الآثمون!!.. ولا سهو عن الصلاة أهول من فقدانها روح التطهير من الفحشاء والمنكر، حتى تصبح عادة يؤديها فاعلها كما يؤدي أي عمل آخر في معزل عن الخشوع والوعي، وأي قسوة أشدّ من أن يقرأ امرؤ كتاب الله، بل يتخذ منه حرفة للارتزاق، ثم لا يتورّع عن اقتراف المنكر الذي يخزي صاحبه في الدنيا والآخرة!.. وهل ثمّة ظلم بعد الشرك أكبر من أن يفتتح مقرئ حفلة غناء بآيات من الكتاب الذي اؤتمن عليه، والذي يقول منزله - تبارك اسمه -: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} ؟! ألا يعلم هذا المسكين أن هذا عين الإفك وجماع الإثم، وأدنى دركات التلاعب بكتاب الله!..
يا شيخ محمود.. هذا ما يقوله عنك كل مؤمن يعي آيات الله، ويفقه تعاليمه سبحانه، فهل علمت ذلك؟.. وهل أتيح لك من يبلغكه يا أبا الافراج؟!..
لقد والله أحدثت فتقا في الإسلام يتعذر - إذا لم يستحل – رتقه؛ بجرأتك على الله، واقتحامك تلك العقبة الخطيرة، يوم رضيت لتلك الهاوية المغفلة أن تقوم مقام هاتيك الفينة الصغيرة بنظر كل فاضل، وإن كبرت في منظار كل سفيه غوي من أهل الباطل، لتتغنى وتتمعج، كي تستثير إعجاب الغواة الهواة من أذناب الشيطان، كما فجرت الخمر من قبل مشاعر مدمنيها، فراحوا ينظمون في مدحها ونعتها أفانين الشعر، وهم الذين بهم وبأضرابهم دمّر الله حصون هذه الأمة في بغداد والأندلس؛ إذ استطاعوا أن يجردوها من مقوماتها، ويصرفوها عن رسالتها، فذلّت بعد عزّ، وطمع بقهرها كلّ ذي عجز.