وأوضح دليل على صلة الاستشراق بالاستعمار أن سوق الاستشراق رائجة في أوربا وأمريكا في الدول التي لها مصالح في الدول الشرقية بعامة وفي الدول الإسلامية بخاصة، وأن هذه السوق أكثر رواجا في الدول الاستعمارية التي تحاول غزو الدول الشرقية بأية صورة من صور الغزو والمعروفة في العصر الحديث؛ سواء أكان الغزو عسكريا أم اقتصاديا أم سياسيا أم ثقافيا، بل لا تكاد توجد سفارة من سفارات هذه الدول الاستعمارية في دولة من دول الشرق الإسلامية لا يوجد فيها مستشرق أيّا كانت رتبته بين رجال السفارة والعاملين بها.
إن ارتباط الاستشراق بالاستعمار وتبعته له جعلت الاستشراق يواصل جهوده في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته، ويستعمل كل الأسلحة في حربه؛ لأن هذا الدين الحنيف هو السدّ المنيع الذي يقف في وجه الاستعمار والعبودية لغير الله.
إن المستشرقين يعلمون من دراستهم للإسلام أن العقيدة التي جاء بها ترتكز على أسس ثابتة من الفطرة الإنسانية العامة والمنطق العقلي المستقيم، والنصوص الدينية الصريحة، بحيث لا يمكن لعقول المفكرين والفلاسفة أن ينقضوا أصلا واحدا من أصولها إذا التزموا منهج العلم الصحيح، ولذلك يحاول الاستشراق منذ نشأته التشويش على دعوة الإسلام بتلفيق الأباطيل، واتخاذ البحث العلمي ستارا يلفقون من ورائه هذه الأباطيل.
وقد صار الاستشراق مظلة لكل أعداء الإسلام من المستعمرين والملحدين وغيرهم؛ فأصبح يستظل بها أصحاب العقائد الفاسدة الباطلة من الشيوعيين وأنصار المذاهب الإلحادية الانحلالية في العصر الحديث، فقد جمع هؤلاء بغضهم للإسلام؛ لأن أساسه التوحيد، وهو زبدة الرسالات الإلهية وغايتها، ترتكز كلها عليه وتستند في وجودها إليه، وتبتدئ منه وتنتهي إليه؛ فكل رسول افتتح دعوته لقومه بقوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .