إن الاستشراق في الحقيقة امتداد للحروب الصليبية ضدّ الإسلام وحقائقه الناصعة؛ لأن الحروب الصليبية لم تنته، وإنما اتخذت أشكالا وألوانا مختلفة، منها الاستشراق؛ فالمستشرق يجيء إلى الإسلام لابسا العلم الظاهر، ومدّعيا البحث عن الحقيقة، ولكنه في الباطن قد عقد النية على جمع المطاعن الملفقة عن الإسلام؛ فلا يلبث أن يرمي الإسلام بكل ما يحمل صدره من غل، وينفث قلمه من سم؛ فهو يتنكر لمنهج العلم الصحيح الذي من شأنه أن يعرض الحقائق، وأن يترك للناس الحكم عليها، دون أن يمزجها بمرارة حقده، ونفثات عداوته، ودون أن يحاول تشويه هذه الحقائق بصورة من الصور.
والمتتبع لحركة الاستشراق يجد أنه مواكب لحركة الاستعمار الغربي لبلاد الشرق والإسلام، مما يدل على أنه امتداد للحروب الصليبية، وشكل من إشكالها، وقد نشطت حركة الاستشراق وبلغت أشدها منذ قرنين من الزمان في صورة حركة تابعة لحركة الاستعمار.
والاستشراق مصدر الفعل (استشرق) أي: اتجه إلى الشرق ولبس زى أهله، وقد اتخذ المستشرقون من دراسة لغات الشرق وسيلة للاتجاه إليه، فدرس كل منهم لغة أو أكثر من لغات الشرق كالعربية والفارسية والعبرية والسريانية وغيرها، ثم درس بهذه اللغة علوم تلك اللغة وفنونها وآدابها ومعتقدات أهلها، وكانت اللغة العربية المطلب المقصود عند الكثير من المستشرقين.
قد أقبل المستشرقون على دراسة اللغة العربية والتخصص في علومها من نحو وصرف وأدب وبلاغة؛ ليتمكنوا من اللغة، ثم نظروا بعد ذلك في علوم الدين الإسلامي من عقيدة وشريعة؛ لاتخاذ هذه الدراسة وسيلة لتلفيق الأباطيل للتشكيك في حقائق الإسلام، وصرْف المسلمين عن دينهم الذي يهديهم إلى طريق التقدم والعزة؛ فتتحقق بذلك أهداف الاستعمار في مواصلة احتلال بلاد المسلمين.