إن الإسلام عالج مسألة الاقتصاد علاجا لم يسبق إليه، ولن تستطيع دولة ما أن تصل إلى ما وصل إليه من علاج يحقق الرفاهية لأهله والمساواة الصحيحة بين ذويه؛ فنظام الزكاة والكفارات والمغانم وغير ذلك من وجوه البذل يجعل من المسلمين أمة متكافلة بالمعنى الصحيح، وفي الوقت نفسه لا يعوق الإنسان عن الكسب الكريم الشريف، بل يشجعه ويحث عليه، "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
فلا تواكل في الإسلام ولا تعطيل للطاقات ولا مصادرة للأموال والممتلكات؛ لأن كل نظام فيه أقيم على أساس سليم، فكل فرد في الدولة الإسلامية عضو من أعضائها تحسّ به ويحسّ بها وترعاه ويعمل من أجلها، بل يتفانى بحق في سبيلها مدفوعا لذلك بشعور صادق وإيمان عميق؛ لأنه يراها الأم الحانية والراعي الذي لا يدّخر وسعا في سبيل سعادته، بخلاف الشيوعي؛ فهو يعمل ولكن على مضض يعمل، وهو ينتج ولكنه من وجل ينتج، بل في وسط اللهيب وعلى القنا يسير؛ لأنه يرى أن يد البطش القاسية مسلطة عليه، والجاسوسية القذرة متربصة به؛ فهو لا يأمن على نفسه، وليس بمستريح ضميره طول حياته؛ لأنه خدع بألفاظ لم يجد لها مدلولات، وبعبارات لم يلمس لها مفهوما، فهو على يأس يعيش متمنيا ساعة الخلاص، ولكن هيهات هيهات أن تمكنه مما يريد، تلك الشرذمة الطاغية المتسلطة عليه فهي لن تدع له فرصة يتمكن فيها من الفرار من ميدان الذل والاستعباد والتسخير والاستقلال؛ لأنهم يرون ذله عزا لهم، واستعباده سيادة لجماعتهم، ولذلك كثيرا ما نسمع أن أفرادا غافلوا الحراس وفرّوا من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي؛ لأن الحرمان استبدّ بهم واليأس قد سدّ كل طريق أمامهم؛ فوجدوا ألا خلاص إلا بركوب المخاطر والتعرض للهلاك باقتحامهم الأسوار.