وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يقارع قومه الحجة، يبين باطل ما هم فيه وما عليه حياتهم، ولكنهم أصابهم الكبر ولحق بهم العناد وكان الله قد هيأ له زوجة صالحة تعتني بأمره وتدعمه بمالها، وتخفف عنه قسوة عناد قومه، وجهل عشيرته، وهيأ له كذلك عمه أبا طالب يحميه، ويمنعهم من قتله واغتياله، وإن لم يمنع عنه ما دون القتل والاغتيال من الأذى وهم مع هذا يحسبون حساب عمه من حين إيذائه حتى أن بعضهم يطرح عليه سلا جزور وهو يصلي.
ثم أن خديجة رضي الله عنها، وأبا طالب هلكا في عام واحد قبل هجرته بثلاث سنين فعظمت المصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهلاكهما وذلك أن قريشا وصلوا في أذاه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته منه حتى نثروا التراب على رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم فدخل الرسول بيته والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله يقول لها يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك.
ولما استعصت قريش، وصمت آذانها، وأغلقت قلوبها وعقولها، اتجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فلما وصلها عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم ثلاثة إخوة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير، فردوه ردا غير جميل فقال أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك، وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، وقال الثالث والله لا أكلمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لئن أنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن إن كنت تكذب على الله ما ينبغي أن أكلمك.