فقام رسول الله من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكره شيخ المؤرخين المسلمين الطبري وأنا أروي عنه: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيزئرهم ذلك عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجاؤه إلى بستان لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يناجي ربه مناجاة الصابر المحتسب يطلب منه المدد والعون حيث قومه لا يستجيبون للنور ولا يلتقون على الخير، والطائف كانت أسوأ من مكة، وأقسى من قريش، فأخذ يقول كما يروي الطبري ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلت حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك)) .
في هذا الجو القاتم الشرس كان الله بنبيه رؤوفا رحيما، وكانت حادثة الإسراء من مكة إلى القدس، وكان المعراج من أرض المسجد الأقصى إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، وكان في الإسراء أكثر من معنى، وآثره لا يزال على مر الأيام وكر السنين يفعل.