إن الذين سيتولون تدمير اليهود هم من المؤمنين إذ أن الله سبحانه وتعالى حين يضيف كلمة العباد لذاته تكون في موضع التشريف، ويخص بها المؤمنين يقول الله تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِم} ويقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه} ، وأعظم منزلة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد الله ورسوله.
وفي التحيات (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) .
وهذا التشريف والتكريم الإيماني لا ينطبق على البابليين ولا على الرومان لأنهم جميعا من الوثنيين. إذن ينطبق هذا الوصف على رسول الله وأصحابه الذين جاءوا إلى المدينة ولليهود فيها نفوذ سياسي واقتصادي. وكان من أول أعماله في المدينة إبرام المعاهدة السياسية بينه وبين اليهود وأن اليهود جماعة مستقلة، وأن المسلمين جماعة مستقلة، فلما غدر اليهود ونقضوا العهد كعادتهم ودأبهم سلط الله عليهم المسلمين فجاسوا خلال الديار اليهودية وتغلغلوا فيه وأزالوهم عن المدينة وخيبر وتيماء، وزال سلطانهم وتدمر علوهم فكان ذلك من خلال معارك بني قريضة وبني النضير، ومعارك خيبر الشهيرة، وتأتي سورة الحشر لتأكد هذا المعنى في قوله تعالى في وصف معارك المسلمين مع اليهود في المدينة {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} آية ٢.