السادسة: أنه لما سخر العرب بالقرآن قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ}[٥٢] وقال في موضع آخر: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ} فلو ذكر قصة آدم مثلا في موضع واحد، واكتفى بها، لقال العربي بما قال الله تعالى:{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} : (إيتونا أنتم بسورة من مثله) فأنزلها الله تعالى في تعداد السور، دفعا لحجتهم في كل وجه.
السابعة: أن القصة الواحدة من هذه القصص، كقصة موسى مع فرعون –وإن ظن أنها لا تغاير الأخرى، فقد يوجد في ألفاظها زيادة ونقصان، وتقديم وتأخير، وتلك حال المعاني الواقعة بحسب تلك الألفاظ، فإن كل واحدة لابد وأن تخالف نظيرتها من نوع معنى زائد فيه، لا يوقف عليه إلا منها دون غيرها. فكأن الله تعالى فرق ذكر ما دار بينهما وجعله أجزاء، ثم قسم تلك الأجزاء على تارات التكرار لتوجد متفرقة فيها، ولو جمعت تلك القصص في موضع واحد لأشبهت ما وجد الأمر عليه من الكتب المتقدمة، من انفراد كل قصة منها بموضع، كما وقع في القرآن بالنسبة ليوسف عليه السلام خاصة.
وخلاصة القول: لقد اجتمعت في هذه الخصيصة من نظم القرآن عدة معان عجيبة:
منها: أن التكرار فيها مع سائر الألفاظ لم يوقع في اللفظ هجنة، ولا أحدث مللا، فباين بذلك كلام المخلوقين.
ومنها: أنه ألبسها زيادة ونقصانا، وتقديما وتأخيرا، ليخرج بذلك الكلام أن تكون ألفاظه واحدة بأعيانها، فيكون شيئا معادا، فنزهه –الحق سبحانه- عن ذلك بهذه التغيرات.
ومنها: أن المعاني التي اشتملت عليها القصة الواحدة من هذه القصص، صارت متفرقة في تارات التكرار، فيجد المرء –لما فيها من التغيير- ميلا إلى سماعها، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة التي لكل منها حصة من الالتذاذ به مستأنفة.
ومنها: ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد.