للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا يظهر الفرق جليا بين معجزات محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزات إخوانه من الأنبياء – عليهم السلام - فمعجزات محمد في القرآن وحده آلاف مؤلفة، وهي متمتعة بالبقاء إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم، أما معجزات سائر الرسل فمحدودة العدد قصيرة الأمد، ذهبت بذهاب زمانهم، وماتت بموتهم، ومن يطلبها الآن لا يجدها إلا في خبر كان [٥] .

يقول الإمام السيوطي في ذلك، ولأن هذه الشريعة، لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة خصت بالمعجزة العقلية الباقية، ليراها ذو البصائر كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا" [٦] .

ومعنى هذا أن معجزات الأنبياء قد انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، ويمكن أن يقال في معنى الحديث، أن معجزات الرسل السابقين لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت حسية تشاهد بالأبصار، كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصائر فيكون من يتبع محمد لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا [٧] .

الحكمة الثالثة: أن القرآن الكريم قد أتى بهدايات تامة كاملة، تفي بحاجات البشر في كل زمان ومكان وفاء لا نظير له في أي كتاب آخر، وأن البشرية لا غنية لها عن هذه الهدايات القرآنية، فما أمر القرآن بشيء يمكن الإستغناء عنه ولا نهى عن شيء يحسن الإلمام به، ولذلك خلد على مر الزمان.

ومن جهة ثانية فإن القرآن بما اشتمل عليه من أحكام وآداب، وأخلاق ومعاملات حق دائم لا ريب فيه وصدقه باق لا تناله الأيام بشيء، لأن الحق لا يزول ولا يحول، وذلك سر خلود هذا الكتاب العظيم.