ثم نسأل: متى تم خضوع العرب لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يغريه النجاح بمزيد من التوسع؟ إن مكة التي طاردته لم تفتح له إلا قبل الممات بسنتين اثنتين، فأين استقرار النصر والتطلع إلى إخضاع الدنيا وهو لما ينته من الجزيرة العربية نفسها؟؟
إن هذا الفكر الاستشراقي لم يلق حفاوة من عاقل، ولذلك نخلص منه لنقرر حقائق أخرى نابعة من هذه الحقيقة المؤكدة حقيقة أن محمدا رسول إلى العالمين من رب العالمين. وأول ما نقرره أن هذه الصفة انفرد بها محمد عليه الصلاة والسلام، فكل الأنبياء من قبله محليون، رسالتهم محدودة الزمان والمكان. ابتدأ من آدم إلى عيسى.
والنصارى يرون أن رسالة عيسى عالمية وينطلقون بها في كل مكان ليبلغوها وينشروها، ونحب نبي الله عيسى ونعتقد أنه رسول حق إلى بني إسرائيل خاصة {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..} .
على أن النصرانية التي تشيع بين الناس اليوم وتساندها قوى كثيرة تخالف رسالات السماء كلها إذ هي فلسفة تجعل من عيسى إلها أو شبه إله يرسل الرسل وينزل الكتب ويغفر الذنوب ويحاسب الخلائق..
والنصرانية بهذا المفهوم المستغرب لا يعنينا أن تكون عالمية أو محلية لأنها شيء آخر غير ما ينزل الوحي به على سائر الرسل، قال تعالى لنبيه محمد:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} إن هذه النصرانية الجديدة لا تتصل بعيسى الذي مهد لمحمد صلى الله عليه وسلم كما لا تتصل بعيسى الذي بلغ تعاليم إبراهيم وبنيه، ومن ثم فهي في نظرنا منهج بشري مستقل بأفكاره عما قبله وعما بعده.. ورسل الله يصدق بعضهم بعضا ويمهد السابق منهم للاحق ما استطاع.