ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم أقامت مفهوم العالمية فيها على أن الدين واحد من الأزل إلى الأبد وأن الأنبياء إخوة في التعريف بالله والدلالة عليه واقتياد البشرية إليه.. وأن القرآن الكريم جمع في سياقه الباقي كل ما تناثر على ألسنة النبيين من عقائد وفضائل ولذلك فإن الإيمان بهم جميعا مطلوب والكفر بأحدهم انسلاخ من رسالة محمد صلى الله عليه وسلم نفسه. ومن الطبيعي أن تبدأ الرسالة عملها في بقعة ما من أرض الله. وقد شرع النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم يعلم الأميين من عبدة الأوثان، ويرشد الحائرين والجاحدين من أهل الكتاب. وبعد تسعة عشر عاما من الدعوة الدائبة استطاع أن يظفر من الوثنية الحاكمة بحقه في الحياة وحق من يتبعونه في العيش بدينهم والتجمع عليه.
عندما نال هذا الحق من معاهدة الحديبية وأصبح له موضع قدم يستقر فيه ويدعو منه أخذ يرسل إلى أهل الأرض يبلغهم الحق ويفتح عيونهم على سناه.
ومن أهل الأرض يومئذ؟ الروم غربي الجزيرة وشمالها. والفرس في الناحية المقابلة، وحكام آخرون يعيشون في جوارهم أو يدورون في فلكهم.
هل كان وراء الرومان من يفهمون الخطاب شمالي أوريا أو وسطها؟ أو وسط إفريقيا وجنوبها؟ كانت هناك قبائل السكسون والجرمان والغالة والوندال وقبائل أخرى مشابهة لها في إفريقية وكانت هناك وراء الفرس شعوب جاء وصفها في قصة ذي القرنين في القرآن الكريم بأنهم لا يكادون يفقهون قولا..
على أية حال فإن النبي المبعوث للعالم أرسل إلى إمبراطور الروم وملك الفرس وحاكم مصر ونجاشي الحبشة، وإلى الأمراء المنتشرين حول الجزيرة العربية يدعوهم إلى توحيد الله واعتناق الإسلام لعله بدأ بالجيران الذين يلونه فبلغ أمر ربه حتى إذا أتم هدايتهم تجاوزهم إلى من يلونهم من أجناس البشر.