أو لعل الفكر البشري في هذه الآونة لم يبلغ درجة الوعي وأهلية الخطاب إلا في هذه البقاع المحتضرة والتي ظهرت فيها جمهرة الرسالات السماوية من قديم.
على أية حال فإن اليقظة الإنسانية التي بدأت في جزيرة العرب ما كانت نهضة جنس متفوق ولا طماح زعيم متطلع، بل كانت حركة قبيل من الناس اختارهم العناية العليا ليربطوا جماهير البشر بالله الواحد، وليسيروا في هذه الدنيا وفق هداه لا وفق هواهم) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} .
وأكذب الناس على الله وعلى عباده من يزعم الإسلام طورا من أطوار البعث العربي، إن هذا الكلام لا يساويه في الرخص والغثاثة إلا ما تضمنه من إفك وتظليل فإن محمدا عليه الصلاة والسلام رفض رفضا باتا أن يكون للعرق، أو اللون أو القوة أو الثروة أي رجحان من موازين الكرامة الإنسانية، والمحور الذي دار عليه الإسلام هو التوحيد والعبادة والتشريع والوجهة والولاء، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِه} وقد قلنا، ولا نزال نقول: إن الله ربى محمدا عليه الصلاة والسلام ليربي به العرب وربى العرب بمحمد عليه الصلاة والسلام ليربي بهم الناس فرسالة العرب أن يكونوا جسورا لهدايات السماء، وأن يعلموا الخلق ما تعلموه من الخالق.
وإذا كانوا تلامذة لخاتم الرسل فهم بما درسوا أساتذة للشعوب الأخرى تتلقى عنهم وتستضئ بهم..
وهذه المكانة للأمة العربية مكانة عالية حقا، بيد أنها لا تقوم على الدعوى بل على البلاغ، ولا تقوم على البطالة بل على التضحية، وذلك معنى قول الله تبارك اسمه.