لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول المطبقين لأوامر الله في سلوكه ومعاملاته، فكان عمله هديا وإرشاد وتطبيقا لما أنزل عليه وما أمر به، وينبغي أن يكون للمسلمين في رسولهم أسوة حسنة يقول الله جل جلاله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب:٢١)
إن القدوة العملية تصيب من القلوب أكثر مما تصيب الكلمة مهما كانت طيبة ومؤثرة. ونستطيع أن نأخذ الدروس النافعة الهادية من سيرة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ولقد حدث بعد صلح الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن ينحروا هديهم ويحلقوا رءوسهم فلم يقم منهم أحد، فدخل على أم سلمة فأشارت عليه أن يخرج ثم لا يكلم أحد كلمة حتى ينحر بدنه ويدعو حالقه فيحلقه، فلما فعل صلوات الله وسلامه عليه قام الناس ينحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا.
هذه حادثة معبرة أصدق تعبير وأوضحه على أن تطبيق الداعية لما يدعو إليه له تأثير قوى فعال في المدعوين، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من هو لما أمر الناس بالنحر ثم الحلق فلم يستجب له أحد، وأخبر أم سلمة فأشارت له بالعمل بدل القول، فلم يكد الرسول صلوات الله وسلامه عليه يخرج إلى القوم ويفعل ما يجب أن يفعل حتى بادر الصحابة رضوان الله عليهم بفعل ما امتنعوا عن فعله حين كلمهم.
أجل إن القدوة العملية تؤثر في الناس أكثر مما تؤثر الأقوال مهما كانت بليغة، فعلى الدعاة أن يكونوا عمليين أكثر منهم قوالين حتى تثمر دعوتهم، وينبغي أن تظهر هذه الثمار في بيوتهم وفي دوائر أعمالهم، فيظهر الدين الحق في سلوك الزوجة والأولاد، والخدم والأحفاد والمتصلين بالدعاة والمشتركين في عمل من الأعمال.