وقد قدمنا أن لا مصلحة خارج النصوص وأن المصلحة الحقيقية لا تكون إلا داخل دائرة النصوص في فحواها ومبتناها وأنها إن خرجت.. كانت مصلحة ملغاة لا يعتد بها في مجال الأحكام الشرعية.
لكن الذين اقتفوا أثر نجم الدين الطوفي وساروا في دربه استدلوا على صحة القضية بعمل الصحابة، وعلى وجه التغليب استدلوا بعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقالوا عنه أنه كان يقدم المصلحة على النصوص [٢٣] .
وجاوزوا في ذلك الحق والحقيقة.. فما كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تربوا في مدرسة الوحي وقدروه حق قدره أن يخرجوا على الوحي عملا بما يسمى المصلحة!!
ولسان حال هؤلاء الصحابة ما قاله أبو بكر الصديق أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا أنا قلت في كتاب الله برأيي.. فمجرد التأويل بالرأي في كتاب الله وليس خارجه يعده أبو بكر كبيرة لا يتصور معها أن تقله أرض الله أو تظله سماؤه أما عمر فهو وإن اجتهد فقد كان يجتهد داخل دائرة النصوص بحثا عن حكم الله أما أن يخرج على النصوص تفضيلا للمصلحة عليها.. فهذا لا يتصور من عمر.. لأن معنى ذلك أن يتقدم برأيه على الوحي وهو الذي يتلوا قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، وهو الذي ضرب رأس منافق راح يحتكم إليه بعد أن احتكم إلى رسول الله، فقال له عمر بعد أن خرج بسيفه وهوى عليه: هذا حكم عمر فيمن لا يرضى حكم الله ورسوله.
ولو دقق أولئك الباحثون فيما احتجوا به من أمثلة لوجدوا لها تفسيرا آخر غير أن يقولوا إن الصحابة قدموا المصلحة على النصوص.
ونورد فيما يلي الأمثلة لنناقشها ونتبين قصد عمر منها: