للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٤- لعل وجه المصلحة بعد هذا العرض الطويل قد بان بغير غيش ولا تشويه، بعد أن قضت في كتب الأصول وقتا طويلا غير واضحة المعالم. ولعلها بانت تطبيقا لروح الشريعة ومقاصدها، وليس خروجا عليها أو انفلاتا منها، ولعل الشروط التي تقدمت من عدم مصادمتها للنصوص، ومن دورانها في فلك المقاصد الخمسة التي تدور حولها أحكام الشرع كلها، ومن كونها حقيقية وعامة، لعل هذه الشروط ضوابط تحرسها أن تكون مظنة الحكم بالهوى أو التشهي!

ثم لعلها بذلك تحقق المرونة داخل إطار الإسلام فنواجه بروح النصوص كل جديد لم يرد به نص ولم يمكن قياسه على نص، وتؤكد بذلك صلاحية هذه الشريعة وخلودها على مر الأيام وتجدد الحاجات والرغبات.

وهي تحقق المرونة في المجال الذي يحتاجها وهو مجال المعاملات.

أما مجال العقيدة والعبادات وما يجري مجراها فهو بعيد عن عمل المصلحة قائم على التطبيق المباشر للنصوص.

وهي بعد ذلك ليست مصدرا مستقلا للأحكام لكنها وسيلة أو أداة للاجتهاد أو الاستنباط ترد الأمر أخيرا إلى الله ورسوله.. فما تكشف عنه المصلحة هو حكم الله في الموضوع.. لأنه رد إلى نصوص الكتاب والسنة في معناها دون مبناها وفي غاياتها ومقاصدها دون عباراتها وألفاظها.

وإن أمثلة المصلحة الكثيرة [٢٨] يمكن ردها بيسر إلى نصوص الكتاب والسنة، بدليل أن الأمثلة التي ضربوها على أنها مصادمة للنصوص وتقديم للمصلحة عليها تبين أنها تطبيق للنصوص ذاتها وليس ثمة خروج عنها!

وبعد

فهل آن للمخلصين من الفاقهين أن يعيدوا كتابة فقهنا الإسلامي وأصوله بعد أم طال عليه الأمد حتى أصاب وجهه المضيء الكثير من التشويه أو الغبار..؟

وهل آن لهم بعد ذلك أن يدخلوا مجال الاجتهاد ليقدموا للأمة الإسلامية الحلول الشرعية لمشاكلها بدلا من أن تستورد الحلول وتستورد معها الانحلال من الغرب ومن الشرق؟!