وبالتأكيد ما كانوا جميعا يهودا ولا نصارى، لأن البلد إسلامي والدين الرسمي فيها هو الإسلام، بل انبرى أحدهم وهو أضخمهم طولا وعرضا، يعيب على رمضان لأن أيامه طالت أكثر من اللازم، قال ذلك وهو يجر نارا من سيجارته جرعات يملأ بها بطنه، ورمضان لم يتعبه صومه ولم يمنعه من أن يتكيف، وكان لابد أن يحدث بيني وبينهم ما شاء الله أن يحدث، فهؤلاء سهل عليهم قول الحمد في رمضان، وثقل عليهم تحويله إلى صوم رمضان، وهو العمل ليحصل به الشكر {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} ولهذا كان المتلفَّظون بالحمد كثيرين، من نوع من كانوا معي في السيارة، وكان العاملون بالشكر قليلين، بقوله تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقوله {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} ، وقيل إن عمر رضي الله عنه سمع رجلا يكثر من قوله:"اللهم احشرني مع القليل، فسأله عن هذا القليل، فقال الرجل: أما سمعت قوله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، فسر عمر بها واستعملها لنفسه، ونقدم ما يزيد علمنا بأن عمل الشكر زاد عن قول الحمد، أن الله تعالى لما جعل الشكر من عباده أساسَ عبادته المباشرة، من صلاة وصوم ونحوهما، جعل أيضا شكرهم لبعضهم عبادة له تزيد من أجرهم، فقد أمر سبحانه العبد أن يشكر لوالديه {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك} فشكر الله عبادته، وشكْرُ الوالدين برُّهُما، وكلاهما عمل بل فاض أمر الشكر حتى زاد عن الوالدين إلى التعامل مع كل الناس، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، وشكر الناس أن تقابل إحسانهم بمثله، إن كان قولة أو فعلة، لأن مبدأ الشكر الاعتراف بالفضل لأهله، فإن وجد ذلك كان لله ثم لعباده، وإن عُدِم فليس لله ولا لعباده ومعلوم من غير توضيح أن شكر الوالدين وشكر الناس جزء من شكره سبحانه وحده، فمستحيل