إلى زيادة دائمة من واهبها إذا شكرته عليها بصورة دائمة أيضا، وهذا داخل في معنى الزيادة التي ذكرتها الآية، فكلما شكرته على الإيمان بعمل الطاعات، كلما رفع درجة إيمانك وقربك إليه، والعكس يقع كما سنوضح بعد في الشطر الثاني من الآية إن شاء الله، والقسم المادي من النعم هو ما تحسن وتطيب به دنيا الإنسان، من مال وولد وصحة بدن ومنصب وما إلى ذلك، والشكر على هذا النوع لا يقل عن شكر النوع الأول، فالمنعم واحد والمشكور واحد، والصفوة الممتازة وهم رسل الله، مع علمهم بأن الله أتم عليهم نهائيا نعمته، كانوا من أكثر خلقه شكرا على نعمه المادية الدنيوية هذه، ليبقيها لهم ويزيدهم منها، فهم أعرف الناس بأنه لا يجوز أن يؤمن مكرٌ الله، ولذلك أثنى عليهم بصريح المديح من ربهم، فمثلا إبراهيم عليه السلام مدحه ربه بقوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} ، فهو قد حمد بالقول لما وهب إسماعيل وإسحاق، وشكر بالفعل لما أكرم أضيافه بالعجل السمين الحنيذ، المشوي، فلم يقدم تيسا ولا كبشا وكان عنده من ذلك الكثير، وإنما شكر على أعلى مستوى مما أعطاه، ونوح عليه السلام، وهو من أمثلة المديح الإلهي للشاكرين، لما قال عنه ربه {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} ، قيل إنه بالغ في الشكر، فبالغ الله له في صفته {وكَانَ عَبْداً شَكُوراً} ، ومن أمثلة مبالغته في شكر ربه، ما ذكروا من أنه ما مس شيئا قط ولا مسه شيء قط، إلا شكر الله عليه، وأنه إذا سكت عن ذلك أثناء الغائط يقول فور خروجه منه:"الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ منفعته، وأذهب عني ضره"، لكن نعم الله الدينوية على عباده أنواع شتى، يميز كل عبد منها بنوع أو أكثر، ومن هنا يكون شكر المنعم عليه من نوع ما أوتي، فالحاكم مثلا وهو أكثر الناس حظا في الدنيا، شكره محدد بأمر لا