للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومجال الشاكر في الدنيا قبل الآخرة، إذا قام بالشكر على الصورة التي أوضحناها فإن أسرع ما يجمع الحسنتين في الدارين هو الشكر، وحسبنا عن الشاكر في الآخرة، أنه سيتحول من شاكر لربه إلى مشكور منه، يُسمعه كلمة الشكر ويغمره بالأجر، أما في الدنيا ونحن الآن فيها، فلا مانع أن يرجو الشاكر أجره الدنيوي أيضا، وإن عينه لتقر عندما يسمع هذا العهد يأخذه على نفسه مَنْ مَلَك الوفاء كله عندما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} قد أعلن مقسما بزيادة الشاكر، أما بقية الآية {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ، فقد جعلت لها حديثا منفصلا يلي هذا إن شاء الله، لأن نصف الآية تحدث عن الشاكر، ونصفها الآخر تحدث عن الناكر، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} ، ولكل حال مقال كما يقولون، أما الآن فحديثنا عن الشطر الأول من الآية الذي وعد الله فيه بالزيادة لمن يشكر، وفهمها البعض على أنها زيادة وقفت عند ظاهر التعبير على أنه شكر وقع وقوبل بزيادة ما، ولكن المعنى هنا مستمر لا يقف، أي كلما زاد الشكر زاد القدر، بلا توقف ولا كم معين، وفي ذلك يقول عالم الصحابة عليٌّ رضي الله عنه: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر معلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله، حتى ينقطع الشكر من العبد"، ثم إنه لا يطلب منا أن نوفي الله على كل نعمه، فكل نعَمِه يستحيل إحصاؤها من جهة، ومن أخرى فإننا مهما بلغ منا الشكر فلن نوفيه حقه في واحدة منها، ولكن نعم الله على العباد في هذه الدنيا أجملت أساسا في قسمين، قسم روحي، وقسم مادي، فقسم الروح لما يمن على الإنسان بالإيمان به، وهو منة المنن بلا شك {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} ، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} ، ومع عظم ما هديت إليه من نعمة الإيمان، فإنها في حاجة