والآن نسأل أنفسنا هل مساكن النمل تقيهم من مرور جيش على واديهم؟ وللإجابة على هذا السؤال، نقول: لا يتخذ النمل مساكنه إلاّ في أعالي الوديان، وما ارتفع عن السيل من مكان، ويبني النمل بيوته بطريقة هندسية في أعماق التربة، بحيث تكون هذه المساكن مقسمة إلى حجرات مكيفة قريبة من الماء ومن الهواء، حتى لا يصيب غذاءها آفة من الآفات.
والعجيب هو كيفية بناء هذه البيوت المتينة السّقوف الغائرة الأعماق، المقسمة إلى حجرات ودهاليز كبيرة، بواسطة هذه المخلوقات الدقيقة الرقيقة، وبهذه القوائم التي لا تكاد ترى بالعين المجردة. كل هذا بدون آلات هندسية مساعدة، رغم أن مساكنها بمثابة الحصون الحصينة، التي تبنيها الدول خوفا من الجيوش المغيرة.
وهي تخرج من أسرابها طالبة لقوتها، فإذا ظفرت به اتخذت طريقين أحدهما للذهاب والآخر للإياب، وكأنها تصنع كما يصنع الإنسان المتحضر في رسمه طرقه وتنظيمه لمواصلاته، فترى فريقين من النمل في خطين منتظمين.
وإذا ثقل على نملة منهم حمل شيء اجتمعت عليه جماعة النمل، تساعد على حمله، إنها تعمل في وحدة متحدة، من أجل مصلحة مشتركة، وهي توفير الغذاء في الصيف لوقت الشتاء.
والنمل حيوان حريص، يحمل أكثر من وزنه، قويّ الشمّ، كثير الدأب على تحصيل رزقه، ويصفه القزويني في كتابه عجائب المخلوقات "إن النملة إذا جمعت الحّب في بيتها خافت أن ينبت، فتقطع كلَّ حبة مقطعين لتذهب عنه قوة النبت، وتقطع حبة الكزبرة أربع قطع لأن نصفها ينبت، وإذا كان عدسا أو شعيرا أو باقلاء تقشرها ولا تكسرها، فإن بالتقشير يذهب عنها قوة النبت، ثم تأتي بقطعها وتبسطها في الشمس حتى تزول عنها النداوة فلا تتعفن، وإذا أحسّت بالغيم ردتها إلى مكانها خوفا من المطر، وإذا ابتل شيء منها بالمطر تنشرها يوم الصحو لتزول عنه النداوة".