هذه الأسطر أقدم بها لأكثر من تعقيب، وكان من حقها أن تسبق الحلقة الماضية كما تتقدم حلقة اليوم، والحلقة التي تليها، لأن الإطار الذي يضمهن جميعا واحد، يعرض لضروب متشابهة من التهاون بحق التدقيق.
حسنات وهفوات:
في الخامس والعشرين من جمادى الأولى لعام ثلاثة وثمانين، وعقيب فراغي من مطالعة كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) من عمل الدكتور محمد البهي، أثبت في آخر صفحة منه تعقيباً مفصلاً ختمته بهذه الكلمة (إن لي هذا الكتاب لعلما غزيرا، وتحقيقا خطيرا، ومادة غنية بالخير، من شأنها أن تساعد على إنشاء الجيل الذي يعي مشكلات أمته ودينه وعالمه، بشرط أن يصل إلى السواد الأعظم من القراء المسلمين في كل مكان..)
فالدكتور البهي أذن من الكتاب الذين أعجب بهم فأنا أتتبع ما يكتبون، وأحث طلابي وإخواني على مطالعة نتاجهم، سواء في الكتب أو المجلات، ومن هنا كان أسفى لما أجده في بعض آثاره المكتوبة أو المسموعة من مفارقات لا تتفق مع ما عهدته من أناته وعمقه ووفرة سداده في مثل كتابه الآنف ذكره..
لقد فوجئت ببعض هفواته الغريبة ذات يوم، وأنا أستمع إلى حديث له حول قصة نبي الله لوط في القرآن الكريم، فسجلتها في مفكرتي على نية أن أكتب إليه بشأنها مستفسراً، ولكن حالت المشاغل دون ذلك، ثم عثرت له على مثلها في محاولته تفسير بعض الآي من كتاب الله في مجلة الوعي الإسلامي، فاستيقظ في نفسي ما كدت أنساه من هفواته الأولى، على أن أعباء العمل عادت فحالت دون ذلك، حتى وقفت اليوم من آثاره على كتيبّه المسمى (تفسير سورة الجن) فلم أجد بدا من التفرغ لتسطير هذا التعقيب خدمة لكتاب الله، وغيرة على قلم الدكتور العزيز أن يندفع أكثر في هذا التيار المعرض للأخطار.