للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقبل البد بمناقشة هذه الأفكار أحب أن أذكر القارئ بأن في بعض تعابير المؤلف عند الكلام عن شخصية الجن، تشويشا يبعث على الحيرة، إذ يخيل لمطالعه بادئ الأمر أنه مقر بوجود ذلك العالم الخاص المستقل عن عالمي الملائكة والبشر، وذلك كقوله ص٨ من التمهيد (والجن موجود قطعا، وهم قوى مخلوقة من نار صافية.. وعالم الجن قائم إلى يوم البعث، لا مرية في ذلك.) إلا أنه لا يلبث أن يعقب هذا الإقرار بقوله في الصفحة نفسها: (فإبليس ملك عصى ربه، وإبليس جان من عالم المرئيات. والملائكة من الجن كما هم من النار الصافية.. ويدخل في عالم الجن من يتخفى من عالم الإنسان في إيمانه وكفره وفي خيره وشره.. كشياطين الجن فإنهم من الإنسان..) ويستمد العون على ذلك من قوله تعالى -في وصف الشيطان وقومه {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} ويعلل ذلك بقوله (لأن إبليس بحكم طبيعته من عالم الجن. وأعوانه بحكم تخفيهم في الشر الحقوا بهذا العالم وأصبحوا شياطين الجن..) .

وفي ظني أن مرد هذا التشويش إلى غموض الفكرة في نفس المؤلف. فهو لا يستطيع تخليصها من الاضطراب الذي نبع عن شعوره هو باهتزازها. على أن المبدأ الذي يريد القطع به على الرغم من كل شيء هو نفي المفهوم المتواتر عن استقلالية الجن، ولهذا يلح على كون (شياطين الجن هم من الإنسان) ، وأن إضافتهم إلى الجن لا تخرج عن كونهم ملحقين بهم بعامل التسلط أو الملك، كما تقول: هؤلاء حزب فلان وجماعته، ولا يعني أبدا أنهم من جنسه وهويته.. على حين يظل متشبثا بما ذهب إليه من أن الوحدة الجنسية إنما تشمل إبليس والملائكة بحكم وحدة العنصر الناري، الذي خلقوا منه جميعا، وعلى هذا فلن يكون هناك سوى عالمين أحدهما من النار وهو فريق الملائكة وفيهم إبليس، والآخر من التراب وهو فريق الآدميين.

إبليس والملائكة: