والقارئ الذي يفاجأ بمثل هذه التأويلات المتعسفة لا بد سائل نفسه عما إذا كان ثمة من سابقة لها في عالم التفسير. أم أنها من مكتشفات المؤلف التي لم يسبق إليها؟.. فإذا ما راح يستقصى الخبر عثر على تلك الروايات المنسوبة إلى ابن عباس (رضي الله عنه) وخلاصتها: أن إبليس من قبيلة من الملائكة اسمها الجن. عصى الله فمسخه الله شيطانا. وفي رواية أخرى عنه أنه كان من الجنانين. وكأنه في هذه الرواية ينفى عنه هوية الملائكة يجعله من العاملين في خدمة الجنة. ولئن خدع بظاهر هذه الروايات من أراح نفسه من تحقيقها فمضى يشيد عليها قصور الوهم. أن هناك من تنبه لما فيها من الدخن فلم تفته ملاحظة لونها الإسرائيلي، وهو ما عقب به عليها الحافظ بن كثير حين أردفها بقوله "وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها.. ومنها ما قد يقطع بكذبة لمخالفته الحق الذي بأيدينا. وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، ولم يتيسر لها من ينفي عنها تحريف الغالين. وانتحال المبطلين كما قيض لهذه الأمة"[١] وهكذا يردنا هذا الحافظ المحقق إلى منطق القرآن الذي لا يأتيه الباطل، بدلا من الضرب في متاهات المخرفين المحرفين الذين لا يؤمنون على علم ولا دين، والذين فتحنا لهم عقولنا حتى استعمروها بكاذب الأخبار كما استعمروا مقدساتنا بالحديد والنار.
ولا جرم أن مجرد الوقوف عند حدود الوحي من قرآن وسنة صحيحة عاصم من كل تشويش واضطراب وقائد إلى الحق الذي لا مرية فيه ولا مراء.. وهو في موضوع إبليس وذريته بارز الخطوط لا معدي عنه لناشد الحقيقة فإبليس -كما قال الحسن البصري- "ما كان من الملائكة طرفة عين قط"وأنه لأَصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل البشر" [٢] وليست ذريته سوى الشياطين -كما يقول مجاهد-[٣] .