ولعل من الخير التذكير بما بين لفظي (الجن) و (الشيطان) من فروق لغوية دقيقة؛ ذلك أن الأول يدل على الجنس المخلوق من النار، في مقابل البشر المخلوقين من التراب، كما ورد في سورة الرحمن {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} وفي سورة الناس عند ذكر {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} فهناك مُوَسْوِسون نزاعون للفساد أمارون به بعضهم من الجنة، وبعضهم من الناس فلا وحدة بينهما، ولا صلة خارج نطاق التعاون على الشر، على حين تتسع كلمة (الشيطان) حتى تشمل كل شرير من الجنسين وغيرهما. ومن ذلك قوله تعالى في سورة الأنعام {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} . وفي الحديث "الكلب الأسود شيطان"[٤] بمعنى أنه مؤذ شرير، ووصف الإبل بأنها (من الشياطين)[٥] لكبر خطرها عند الهياج..
ويقول جرير في وصف طفولته:
وكنَّ يدعونني الشيطان في صغري
وكن يهوينني إذ كنت شيطانا
ولا يزال الناس يسمون الصغير الكثير النشاط والمزعج شيطانا.
وعند التأمل في مورد التعبير القرآني {شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِن} . نلاحظ هذه الخاصة اللغوية في دلالة (الشيطنة) على طبيعة الإفساد. كما نلاحظ اشتراك الوصف بين جنسين مختلفين من حيث الهوية عن طريق العطف المتغاير، الذي يقطع باستقلال كل من الجنسين في عنصره وهويته.. وقد أحسن المؤلف عندما جعل من شياطين الإنس (الكبراء أو الزعماء الذين يصدون عن سبيل الله علنا وفي غير خجل..) وألحق بهم رجال الدين الذين يحترفون بدينهم خدمة للشيطان) .. وحين جعل من ذرائعهم لهذه الخدمة (وسائل الإعلام المختلفة، وضروب القوة المتنوعة في الإرهاب والتخويف)[٦] .