وإذا كان الفارق بين صنعة الله وصنعة الإنسان، واضحاً كل الوضوح، في جانب التعبير اللفظي، والأداء الفني. فإنه أوضح من ذلك في جانب التفكير، والتنظيم، والتشريع.. فما من نظرية بشرية، وما من مذهب بشري. إلا وهو يحمل الطابع البشري جزئية النظر والرؤية، والتأثر الوقتي بالمشكلات الوقتية.. وعدم رؤية المتناقضات في النظرية أو المذهب أو الخطة، التي تؤدي إلى الاصطدام بين مكوناتها _ إن عاجلاً وإن آجلاً _ كما تؤدي إلى إيذاء بعض الخصائص في الشخصية البشرية الواحدة التي لم يحسب بعضها، أو في مجموعة الشخصيات الذين لم يحسب حساب كل واحدة منها.. إلى عشرات ومئات من النقائض والاختلاف. الناشئة من طبيعة الإدراك البشري المحدود، ومن الجهل البشري بما وراء اللحظة الحاضرة في أية لحظة حاضرة.. وعكس ذلك كله هو ما يتسم به المنهج القرآني الشامل المتكامل، الثابت الأصول، ثابت النواميس الكونية، الذي يسمح بالحركة الدائمة مع ثباته، كما تسمح بها النواميس الكونية [١٤] .
والإسلام في القرآن الكريم.. منهج وهو منهج ذو خصائص متميزة: من ناحية التصور الاعتقادي، ومن ناحية الشريعة المنظمة لارتباطات الحياة كلها. ومن ناحية القواعد الأخلاقية التي تقوم عليها هذه الارتباطات، ولا تفارقها. سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وهو منهج جاء لقيادة البشرية كلها [١٥] .
والقرآن الكريم جاء بتشريعات عادلة، وقد ألفت من مواد تتضمن أحكاما كلية، ومبادئ عامة، في كل فروع التشريع.. وصدق الله العظيم في قوله:{وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}[١٦] . وقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}[١٧] .