يبدو ذلك في كلام البشر واضحا، عندما تستعرض أعمال الأديب الواحد، أو المفكر الواحد، أو الفنان الواحد، أو السياسي الواحد، أو القائد العسكري الواحد. أو أي فرد كان في صناعته، التي يبدو فيها الوسم البشري واضحاً، وهو التغير والاختلاف.. هذه الظاهرة واضحة كل الوضوح، أن عكسها وهو: الثبات والتناسق. هو الظاهرة الملحوظة في القرآن ونحن نتحدث فقط عن ناحية التعبير اللفظي، والأداء الأسلوبي فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز، تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها، ولكن يتحد مستواه وأفقه، والكمال في الأداء بلا تغير ولا اختلاف، من مستوى إلى مستوى.. كما هو الحال في كل ما يصنع الإنسان.. ويدل على الصانع. يدل على الموجود الذي لا يتغير من حال إلى حال، ولا تتوالى عليه الأحوال.
وتتجلى ظاهرة عدم الاختلاف.. والتناسق المطلق الشامل الكامل بعد ذلك في ذات المنهج الذي تحمله العبارات ويؤديه الأداء، منهج التربية للنفس البشرية، والمجتمعات البشرية، ومحتويات هذا المنهج وجوانبه كثيرة.
ومنهج التنظيم للنشاط الإنساني للأفراد وللمجتمع الذي يضم الأفراد. وشتى الجوانب والملابسات التي تطرأ في حياة المجتمعات البشرية على توالي الأجيال.. ومنهج التقويم للإدراك البشري ذاته، وتناول شتى قواه وطاقاته وإعمالها معا في عملية الإدراك.
ومنهج التنسيق بين الكائن الإنساني بجملته، في جميع مجتمعاته وأجياله ومستوياته. وبين هذا الكون الذي يعيش فيه. ثم بين دنياه وأخرته. وما يشجر في العلاقة بينهما من ملابسات لا تحصى في عالم كل فرد، وفي عالم الإنسان، وهو يعيش في هذا الكون بشكل عام.