ويخبر أيضا عن وقائع مستقبلة لم تكن وقعت حين نزوله، ومن هذا قوله تعالى:{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[١٢] وأن الباحث في القرآن بصدق، وإمعان نظر.. يلاحظ أن آيات القرآن الكريم، قد اتسقت على كثرتها، واتفقت المبادئ والأصول، في كل الموضوعات على تعددها وتنوعها. قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[١٣] .
والتناسق المطلق الشامل الكامل، هو الظاهرة التي لا يخطئها من يتدبر هذا القرآن أبداً، ومستوياتها ومجالاتها، مما تختلف العقول والأجيال في إدراك مداها. ولكن كل عقل وكل جيل يجد منها بحسب قدرته وثقافته وتجربته وتقواه، ما يملك إدراكه، في محيط يتكيف بمدى القدرة والثقافة والتجربة والتقوى.
ومن ثم فإن كل أحد، وكل جيل، مخاطب بهذه الآية. ومستطيع عند التدبر وفق منهج مستقيم. أن يدرك من هذه الظاهرة، ظاهرة عدم الاختلاف أو ظاهرة التناسق ما تهيئه له قدرته وثقافته وتجربته وتقواه.
تتجلى هذه الظاهرة. ظاهرة عدم الاختلاف. أو ظاهرة التناسق. ابتداء في التعبير القرآني، من ناحية الأداء وطرائقه الفتية.. ففي كلام البشر، تبدو القمم والسفوح، التوفيق والتعثر. القوة والضعف. التحليق والهبوط. الرفرفة والثقلة. الإشراق والانطفاء.. إلى آخر الظواهر التي تتجلى معها سمات البشر. واخصها سمات التغير، والاختلاف المستمر الدائم من حال إلى حال.