فهي تنظر إلى جانب مضيء بالعين المجردة دون بقية الجوانب الأخرى الخفية من حيث فكره ووجدانه.. وإرادته الحرة، وإذ قيل في شأن الإسلام بعد ذلك أنه دين غير حضاري أو أنه لا يتفق مع الحضارة الإنسانية _ فذلك قول يصور الحضارة بأنها ظواهر السلوك التي تسيطر على المجتمعات الأوربية الآن _ أو يصور الإسلام على أنه حاضر المسلمين وسلوكهم في فترات زمنية.. وهذا التصور أو ذاك يحمل معنى الإجحاف والتعسف بمعنى الحضارة، وينطوي على ظلم شديد في الحكم على الإسلام. لأن ظواهر السلوك في المجتمعات الأوربية ليست دائما ترجمة للحضارة الإنسانية بمعناها الصحيح.. وهو النضوج في الفكر البشري والعواطف والوجدان.. وسلوك المنتسبين إلى الإسلام كثيراً ما يبتعد عن تطبيق التعاليم الإسلامية، وجوهر الدين الحنيف.
وأصحاب الهوى والغرض الذين يحكمون على الإسلام أنه كان لفترة مضت ولم يعد صالحا للإسهام في بنائها أو تنميتها. لا ينصفون الإسلام. وأني لهم النَّصفة؟!.. لا ينصفون الإسلام لأنه كما رأينا مصدر رئيسي في بناء الحضارة الإنسانية وغرضهم واضح كل الوضوح في العمل على إبعاد العرب عن أمجادهم وتاريخهم الأصيل، وقطع صلتهم بالقيم الروحية وبالرسالة التي حملوها ونشروا نورها بين البشرية وأسسوا بها حضارة عربية إسلامية أسهمت، ومازالت تسهم حتى عصرنا هذا في بناء الأمم والحضارات المعاصرة. حتى إذا ما تأثر العرب المعاصرون بهذا الرأي سهلت قيادتهم لغيرهم، وتحولوا إلى تابعين ومقلدين في الفكر والتوجيه ومظاهر الإنسانية.
إن الحضارة الإسلامية والسلوك الإسلامي لم يكونا من صنع أحد من البشر، وإنما هما وحي الله الذي تنزل على سيد البشر محمد _ صلى الله عليه وسلم _ وأصبح يملأ أرجاء الدنيا نورا وعلما وسلوكا، وسوف يظل يشع نوره باقيا ما بقي الإنسان.