والعرب في جاهليتهم كانوا يعرفون تعدد الزوجات ويذهبون فيه كل مذهب ولا يقفون به عند حد فلما بعث الرسول إليهم نظم شرعة الزواج تنظيما دقيقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فجعل له أركانا وشروطا واعتبره ميثاقا غليظا، وقرر بمقتضاه حقوقا على الرجل نحو المرأة، وحقوقا على المرأة نحو الرجل، ورتب عليه آثارا في الحياة وفي الموت، في الاتصال وفي الانفصال.
وموقف الإسلام من مشكلة التعدد موقف يشهد ببراعته، ويدل على دقته وحكمته، فهو يمنع تعدد الأزواج لأنه ينافي الفطرة السليمة، ويعادي الطبيعة المستقيمة، ويؤدي إلى فساد النسل، ويجر إلى اختلاط الأنساب. لكنه بجانب هذا يبيح تعدد الزوجات دون أن يرغب فيه أو ينهى عنه، ويشترط لإباحته ضمان العدل وأمن الجور.
وفي هذا يقول المولى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}
روى البخاري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها قال لها: يا أمتاه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} إلى {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قالت عائشة: "يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص من صداقها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء".