للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو الوليد لم يلتزم هذا المذهب التزاماً كلياً ولم يرفضه رفضاً باتاً، وهو في الوقت نفسه يخالف المعتزلة التي لا تثبت كلاماً نفسياً، بل تصرح بأن كلام الله مخلوق، ومعنى أن الله متكلم عندهم أنه خالق للكلام, فالقرآن مخلوق من مخلوقات الله عندهم وعند الأشعرية, ونقطة الخلاف بينهم التصريح بالقول بأنه مخلوق وعدم التصريح به، فالطائفتان متفقتان في العقيدة الداخلية - إن صح التعبير - ومختلفتان في السياسة الخارجية.

إذ ترى المعتزلة أن يصرح بذلك لدى الجمهور، لأن القضية قضية العقيدة يستوي فيها العامة والخاصة، بينما ترى الأشاعرة عدم التصريح إلا في مقام التعليم، وكأنها عقيدة تخص الخاصة دون العامة، وهو موقف يشبه موقف ابن رشد من حيث التفريق بين العامة والخاصة في بعض الواجبات والاعتقادات - كما رأينا - إلا أنه يختار لنفسه طريقة أخرى من هذه المسألة كما أشرنا، وكما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله، هذا ما عنيناه بقولنا: إن موقفه شاذ وخطير. وما أهل السنة والجماعة الذين اكتفوا بما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، الذي يتجاوزون الكتاب العزيز والسنة المطهرة فهم يعتقدون بأن الله يتكلم حقيقة كما يليق به بكيفية لا نعلمها، إذ لا نحيط به علماً {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} ، {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ} , وهم لا يخوضون في كيفية تكلمه كما لم يخوضوا في كيفية جميع صفاته وكيفية ذاته تعالى، وإذا كان إيمانهم بالله إيمان تسليم لا إيمان تكييف فيجب أن يكون إيمانهم بصفاته كذلك إيمان تسليم بما في ذلك صفة الكلام، لأن الكلام في الصفات كالكلام في الذات, والكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر يحذو حذوه فلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، أو تحريف.