للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرابع: أن المراد بقوله: {لن تقبل توبتهم} أنهم لم يوفقوا للتوبة النصوح حتى تقبل منهم, ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: {إنّ الذين آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكُنِ اللهُ ليغفر لهم ولا ليهدِيَهُم سبيلا} , فإنّ قوله تعالى: {ولا ليهديهم سبيلا} يدل على {إنّ الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} , وكقوله: {إن الذين حقّت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون} الآية, ونظير الآية على هذا القول قوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} أي لا شفاعة لهم أصلا حتى تنفعهم, وقوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به} الآية؛ لأن الإله الآخر لا يمكن وجوده أصلا حتى يقوم عليه برهان أو لا يوم عليه.

قال مقيده - عفا الله عنه -: مثل هذا الوجه الأخير هو المعروف عند النظار بقولهم: "السالبة لا تقتضي وجود الموضوع"وإيضاحه أن القضية السالبة عندهم صادقة في صورتين؛ لأن المقصود منها عدم اتصاف الموضوع بالمحمول, وعدم اتصافه به يتحقق في صورتين: االأولى: أن يكون الموضوع موجودا إلا أن المحمول منتف عنه, كقولك: "ليس الإنسان بحجر"فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه.

والثانية: أن يكون الموضوع من أصله معدوما؛ لأنه إذا عدم تحقق عدم اتصافه بالمحمول الوجودي - لأن العدم لا يتصف بالوجود كقولك لا نظير لله يستحق العبادة - فإن الموضوع الذي هو نظير لله مستحيل من أصله, وإذا تحقق عدمه تحقق انتفاء اتصافه باستحقاق العبادة ضرورة. وهذا النوع من أساليب اللغة العربية, ومن شواهده قول امرؤ القيس:

على لا حب لا يهتدي بمناره

إذا سافه العود النباطي جرجرا

لأن المعنى: على لا حب لا منار له أصلا حتى يهتدى به, وقول الآخر:

لا تفزع الأرنب أهوالها

ولا ترى الضب بها ينجحر