للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي حمل هؤلاء على هذا القول الخطير، لما رأوا أن العبد يفعل ويترك باختياره الحر، وأثبت له الشرع الثواب على الحسنات، والعقاب على السيئات ثم لا حظوا الفرق بين حركة اليد العادية، وحركة اليد المرتعشة، حيث تكون الأولى اختياراً والثانية اضطرارية، وما ندركه من الفرق بين حركة الصاعد إلى المنارة والساقط منها إذ تكون الأولى بقدرة العبد واختياره بينما لا قدرة له ولا إرادة في الأخرى.

لاحظ القوم هذه الملاحظات في أفعال وحركات العبد، ونظروا إليه فاعلاً، وغفلوا أنه فاعل ومنفعل فزعموا أن العبد هو الذي يخلق أفعاله بقدرته قبل أن تتدخل قدرة الله، تعالى الله عن شريك يشاركه في ربوبيته وخلقه، وفاتهم أن العبد بجسمه وروحه وإرادته وقدرته مخلوق لله، فالله تعالى هو الذي يخلق له القدرة على العمل وإرادة العمل, ويجعله فاعلاً يفعل بالإرادة المخلوقة المحدودة والقدرة المحدثة حتى ينسب إليه العمل، ويضاف إليه إضافة المسبب في الوقت الذي يضاف عمله إلى الله إضافة المخلوق إلى الخالق.

ما أبعد هذا الطرف عن ذلك الطرف حيث العبد مجبور هناك وخالق هنا, وكلا الفريقين ضل الطريق وضاع الصواب بينهما، وعثر عليه أهل السنة والجماعة بتوفيق الله تعالى وقد تقدم بيان مذهبهم.

كسب الأشعري

حاول أبو الحسن الأشعري أن يأتي بحل وسط بين الجبرية والقدرية إلا أنه لم يوفق حيث جعل مناط التكليف: الكسب، والكسب هو العمل - كما يتبادر- بل هو إرادة تحصل عند الفعل، وقعوا في هذا المضيق لئلا يقولوا: إن العبد هو الفاعل الحقيقي مستقلاً كما هو مذهب القدرية، أو يقولوا إنه مجبور وليست له إرادة كما تقول الجبرية، ولكنهم لم يأتوا بجديد بل طريقتهم هذه هي الجبر بعينها والخلاف بينهم وبين الجبرية خلاف لفظي وليس بجوهري - كما ترى -، بل طريقتهم أكثر غموضاً، بل قد عد كسب الأشعري من المحالات, ومحالات الكلام ثلاثة - كما يقولون -: