وظل الرسول يطلب مشورة القوم، حتى فطن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لما يعنيه الرسول من أخذ رأي الأنصار، فقال:"لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت, واقطع حبل من شئت, وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، وما أخذت منها كان أحب إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك, فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك"[٨] .
وعندئذ استوثق الرسول ممن معه، واطمأنّ إلى أنه لن يتخلف منهم أحد عن خوض المعركة فسرّ بما سمع وأشرق وجهه وقال:"سيروا وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيت مصارع القوم"[٩] .
وبهذا تكون الجبهة الإسلامية قد توحدت تماماً، ولم يعد هناك خوف من شذوذ أحد ممن خرج من المسلمين، ولم يعد النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى التفكير في موقف الأنصار تجاه سياسته الخارجية.
ولو تركنا الجبهة الإسلامية قليلاً في وضعها القوي المتماسك لننظر في وضع الجبهة الأخرى وحالتها المعنوية لوقفنا على ما يلي:
لم يكن أهل مكة متفقين على الخروج للمعركة، وهم رغم اتفاقهم في عداوة المسلمين إلا أنهم كانوا مختلفين في خوض المعركة، فقد تخلف عنهم بنو عدي بن كعب، ورجع بنو زهرة من الجحفة نزولاً على رأي الأخنس بن شريق، فلم يشهد بدراً من هاتين القبيلتين أحد [١٠] .
ولم يكن موقف زعمائهم خيراً من موقفهم، فإننا نرى أمية بن خلف وعتبة بن ربيعة، وحكيم بن حزام لم يخف أحد منهم للخروج لأنهم كانوا غير مؤمنين بسلامة موقفهم، وحتى أبو لهب مع شدة عدواته لم يشهد المعركة وأخرج رجلاً آخر مكانه.