وهناك مشكلة أعظم من ذلك كله، لقد كان أكثر المسلمين من الأنصار حيث كان عددهم واحداً وثلاثين ومائتي رجل، في حين كان المهاجرون ثلاثة وثمانين رجلاً [٥] ، ولم يكن الأنصار ملزمين بحماية الرسول صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه إلا في داخل المدينة حسب نصوص بيعة العقبة، فما موقف الأنصار من هذه المعركة التي فوجئوا بها، وقد فرضت عليهم نفسها؟
إن الموقف دقيق للغاية، ويحتاج إلى حل حاسم وسريع، فليس هناك مجال للتردد وليس في ميدان المعركة مكان للمترددين.
استعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل هذه المشكلات، وأدار فكره فيها، وقرر فيها رأيا، ولكنه لم يفرض على أصحابه، لأن في المسلمين من ليسوا ملزمين بالقتال في هذا الموقف، ولأن الأمر شورى بين المسلمين فيما لم يرد فيه نص، لهذا صارح الرسول أصحابه بحقيقة الموقف، وأخبرهم بخروج قريش لتحمي تجارتها، وتدخل معهم في معركة إذا اقتضى الأمر ثم قال:"أشيروا علي أيها الناس"[٦] .
وهنا قام زعماء المهاجرين - أبو بكر وعمر والمقداد بن الأسود - فأحسنوا الكلام وردوا الأمر إلى رسول الله ليفعل ما أمره به الله، وقال المقداد:"لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: ٢٤) , ولكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك"[٧] .