فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم:"نصرت يا عمرو بن سالم", ثم عرضت سحابة في السماء فقال عليه الصلاة والسلام:"إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب"، [٤] وأخبر عليه الصلاة والسلام بوحي من الله بما يدور في خاطر قريش وما يتوقع منهم فقال: "لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدد العهد وزد في الهدنة"[٥] .
وكيف لا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسية قريش وما يشغل بالها آنذاك وقد أعطاه الله عقلاً نيراً وفكراً ثاقباً وبصيرة لا تخطئ لأنه يسنده الوحي دائماً، فهذه قريش منزعجة من الحادث, مترقبة لرد الفعل, خائفة من العاقبة, وأكثرهم انزعاجاً قائدهم أبو سفيان الذي أخبر قريشاً عن رؤية رأتها زوجته هند كرهها وخاف منها, إذ رأت دماً أقبل من الحجون يسيل حتى وقف عند جبل بمكة مما جعل أبا سفيان يستنكر اشتراك قريش في القتال ونقضها للعهد ويقول:"والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني وهو صادقني، ومالى بد أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر". فقالت قريش:"قد والله أصبت الرأي"[٦] .
وهكذا جرت الأحداث بمشيئة الله تعالى الذي هيأ للمسلمين أمراً لم يفكروا فيه وظفراً لم يحلموا به, وقد علل الرسول عليه الصلاة والسلام لتلك المشيئة بقوله لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تستبعد من قريش أن تنقض العهد وما لها مقدرة على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى بهم"، وتسأل عائشة:"خير أو شر يا رسول الله؟ قال: "خير". [٧]
وكيف لا يكون خيراً وهو سيحمل رسالة الإسلام إلى أهل مكة ومن حولها, يستظلون بظلها, وينعمون بفيئها, ويسعدون في الدنيا والآخرة بنشرها وحمايتها.