وكانت للرسول صلى الله عليه وسلم مواقف لا تنسى, ومن ينسى موقفه من أهل مكة وهم ينتظرون مصيرهم ويتوقعون الانتقام ممن آذوه وأخرجوه واتهموه بكل أمر فظيع؟ كالسحر والكهانة والجنون والرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ ما في عيونهم ويعلم ما في نفوسهم وحياً فيسألهم:"يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ "قالوا: "خيرا أخ كريم وابن أخ كريم", قال:"فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} اذهبوا فأنتم الطلقاء"[١٥] .
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن مكة ما معناه:"لا تغزى بعد هذا اليوم أبداً إلى يوم القيامة"، وقد علق البيهقي على ذلك بأنها لا تغزى على كفر أهلها فكان كما قال، [١٦] ولا زال المسلمون يتعلمون من هذا الفتح العظيم دروساً من بينها:
١ – أن كلمة الله يجب أن تعلو على كلمة الكفر في أي زمان ومكان, وأن واجب المسلمين الدائم هو تحطيم الأصنام والطواغيت في كل صورها وأشكالها ومسمياتها.
٢ – أن الخطة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم قد نفذت بدقة وتحققت الأهداف الكبرى مثل دخول الناس في الإسلام وعلى رأسها قريش.
٣ – أن الأمور الهامة في حياة المسلمين لا بد فيها من السرية في الهدف وفي التخطيط وفي التنفيذ.
٤- أن الحرب النفسية سلاح من أسلحة المحاربين تفيد المسلمين إذا أحسنوا تنظيمها وتوقيتها وتنفيذها.
٥ – أن الجندي المسلم مطيع منفذ للأوامر في التأهب للجهاد والتحرك للقتال دون مراجعة أو تردد.
٦ – أن روح التسامح والتعالي هي صفات جيش المسلمين فلا انتقام ولا حقد ولا مذابح ولا تمثيل.
٧ – أن ظهور المسلمين دائماً بمظهر الأقوياء الأشداء المستعدين للقتال أمر لا بد منه لإدخال الرعب في نفوس الأعداء وتنفيذ أمر الله في إعداد العدة لهم.
وما أكثر الدروس والعبر في هذه الغزوة لمن يعتبرون ويتعظون ويعدون ويخططون.