وبعد.. فبهذا النشاط، وبهذه الرغبة في تحصيل العلم والاستهانة في سبيله بكل مجهود، وبهذا الإدراك الواعي لمسئولية الداعي، كوّن ابن الجوزي شخصيته العلمية وصار فيما بعد عالم العراق، وواعظ الآفاق، حتى رووا أنه كان يحضر مجلس وعظه أكثر من مائة ألف [١٥] , ولست أري كيف كانوا يسمعون صوته، ويفهمون منه، ولم تكن مكبرات صوت ظهرت يومئذٍ، وحق للذهبي أن يقول:"لا ريب إن كان هذا وقع فإن أكثرهم لا يسمعون مقالته".
ولقد أثرى رحمه الله المكتبة الإسلامية، بمؤلفاته الكثيرة المتنوعة، في التفسير والحديث والوعظ والأدب والتاريخ واللغة.. وغير ذلك ... ومما نوصي بقراءته من مؤلفاته في المجال الوعظ والدعوة إلى الله ما يلي:
١ - كتاب صيد الخاطر بتحقيق الشيخ محمد الغزالي، أو بتحقيق الأستاذ علي الطنطاوي.
٢ - كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين.
٣ - كتاب الطب الروحاني.
٤ - كتاب ذم الهوى, بتحقيق د. مصطفى عبد الواحد, ومراجعة الشيخ محمد الغزالي.
٥ - كتاب منهاج القاصدين, وقد اختصره المقدسي في كتاب (مختصر منهاج القاصدين) ..
هذا.. ولقد أسلم علي يدي هذا العالم الجليل وتاب عدد كثير.. يقول في آخر كتاب (القصاص والمذكرين) : "ما زلت أعظ الناس وأحرضهم على التوبة والتقوى, فقد تاب على يدي إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل، وقد قطعت من شعور الصبيان اللاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة, وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف". [١٦]
فلله دره من رجل.. فقد عاد بخير كثير على الإسلام والمسلمين..
ليت الدعاة يتأسون، والله المستعان..
[١] لفتة الكبد في نصيحة الولد لابن الجوزي، والبداية والنهاية لابن كثير أحداث ٥٩٧.