ثم تأتي أيام الحج، على فترة من الخمول والسكينة، وتأتي معها إليّ الحياة، وتستيقظ أرجائي مرة ثانية، وتميس أعمدتي إعجاباً ومخيلة، واسمح لي أيها الأخ الكريم أن أقول: إنّ سروري بهؤلاء الحجيج لا يقل عن سرورك وأنت تستقبلهم من فجاج قاصية ودانية، وأن أحناء صدري لتفيض بالحنو على هؤلاء الناس كما تفيض حناياك.
ولكن...ولكن...وماذا بعد لكن...!؟.
أشياء تتلجلج في الصدر، ويتمتم بها اللسان، وأستشعر الخوف أن يفضي بها القلم، أخشى ما أخشاه أن ترمي بك الظنون مراميها البعيدة، وأن يوسوس إليك الشيطان أني ألمز حجيجك وأتهمهم بالتقصير في أداء المناسك، وما أنا من هذا ولا ذاك في شيء قل أو كثر.
ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون في أروقتي وتحت سمائي الدنيا والقاصية، يتحدثون عما لاقوه من شدة الزحام في الطواف، وشق الطريق إلى الحجر الأسود، والعراك المرير في جمرة العقبة، وكثرة الضحايا في المنحر، ما أكثر ما أسمعهم يتحدثون هذه الأحاديث فتمور الدموع في عيني وأنا أقول: يا بديع السموات والأرض! متى أسمع إلى جانب هذه الأحاديث عن أحاديث أخرى عن شدة الزحام في طريق المعركة، وعن كثرة ضحايا الأعداء وهم يولون الأدبار ثم لا ينصرون.
أخي الكريم:
كثير من الذين يحجون إليك على جهل بالكثير من أمور الدين، والمكايد التي تحيق بالمسلمين، لم لا يكون هناك توعية إسلامية بكل لغة تدخل على الحاج في خيمته إذا كان في خيمة، وتماشيه في الشارع إذا ما مشى في الشارع، وتصطاده في المسجد إذا ما أقبل على حضور الجماعة، فيعود الحجاج إلى أقوامهم مصابيح هداية، ومعالم طريق، ويعلِّمونهم ما لا يعلمون، ويصلحون بنياناً تصدعت جدرانه والقواعد.