إنه ليحزنني أن يحج إليك كثير من الناس فيعودوا كما جاءوا، نعم إنهم يعودون بثياب قشيبة للابسين، وتمور لذيذة للآكلين، وهدايا نفيسة لذوي المودة والقربى، وأحاديث عذبة شائقة عما تتمتع به من صحة بنيان، وطلاقة وجه، وأثواب سابغة من الرخام، وأروقة واسعة لساعات الزحام، ومعاملة طيبة للطائفين والساعين والركع السجود، لم لا يحملون إلى جانب هذا أفكاراً هادية، تبصر المستقبلين ما لا يبصرون، وتكشف لهم ما كانوا يجهلون، فتعمر قلوب، وتضيء صدور، ويلتئم شمل، وتتعارف شعوب تمزقت قدداً.
أخي الكريم:
ذاك زفير أزفره، ولواعج هم أنفثها، بعد أن لبست ثياب الذل والخوف، وخذلني القريب والبعيد، وأضرّ بي الأسار والقيد، ونزل بي من البلاء ما تعلم وما لا تعلم، وتوالت عليّ المصائب كقطع الليل المظلم، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فالله خير ناصراً وخير أملاً.
كنت فيما مضى أجد الفرحة في أيام الجمع، إذ يؤمّني الناس من قريب وبعيد، وتسيل بالوافدين إليّ دروب وشوارع، أما اليوم فأواه! أواه لو تنفع المكروب أواه!! لقد أصبحت في أيام السبت ملعب الغيد، ومرتع الصبا والجمال، كأنما ضاقت الأرض بما رحبت على شبان اليهود وشاباتهم، فلم تتسع لهم إلا ساحتي، يتناجون فيها بالإثم، ويتساقون فيها كؤوس الهوى، ويبثون الفتنة والفسوق هنا وهناك، فيا حسرة عليّ! ويا حسرة على ما فرّط المسلمون في جنب الله!!.