مما يحزنني أيها الأخ الكريم أن ليس لدي ذكريات حديثة أتعزى بها في هذا الفراغ الذي طال عليه الأمد، تمنيت أن يكون على جدراني وأعمدتي بقع من الدماء، أن يكون منبري قد أشرف على معركة، أن يكون بعض جوانبي قد تهدم بالقنابل، ليت شيئاً من ذلك قد كان، إذن لوجدت غذاء أطعمه في نهاري الطويل وليلي الأطول، ولكنزت بطولات أتأسى بها في هذه السنوات العجاف، ولكن واحسرتاه! لست أجد شيئاً من ذلك، فلا عجب أن أقطع العمر هذه الأيام أحرق الأرم، ويأكل بعضي بعضاً، وتغشاني من حين إلى حين لحظات يأس وظلمات خيبة، فأوثر الموت على الحياة، وأكاد أنادي سقفي أن يخر، وجدراني أن تنقض، وأعمدتي أن تتهاوى، ولكن رحمة الله قريب، تدركني فتجلو الغشاوة عن عيني، وتفتح أمامي غداً ملوءاً برجال صدقوا العزم والعهد، وأخلصوا النية والقصد، ليسوا خطباء منابر ولا فراش حفلات، فيثوب إلى عازب رأيي وأقول للنفس تأساء وتعزية: عسى الله أن يأتي بالفرج القريب.
أخوك الحزين المسجد الأقصى.
سياسة
إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه, ووليت المجرَّب الحازم في أمره, وقلدت الخراج الموفر لأمانته, وقسمت لكل من نفسي قسماً، أعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري، وصرفت السيف إلى النطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب صولة العقاب وتمسك المحسن بحظه من الثواب.